الاحتراق النفسي (Burnout) هو حالة من الإنهاك الجسدي والعقلي والعاطفي نتيجة التعرّض لضغط مستمر أو إفراط في العمل. تظهر هذه الحالة غالبًا في صورة فقدان الدافعية، الشعور بالفراغ أو فقدان المعنى، التهيّج السريع، والانفصال عن الأنشطة التي كانت تجلب المتعة سابقًا.
توضح الدكتورة كورين لو، أستاذة الاقتصاد في جامعة بنسلفانيا ومؤلفة كتاب Having It All:
"يحدث الاحتراق النفسي عندما نُدفَع باستمرار إلى ما يفوق طاقتنا، فنشعر أننا غير قادرين على تلبية كل المطالب. كرد فعل، يبدأ العقل في الانسحاب، فنصبح مرهقين، مستنزَفين، ومنفصلين عن حياتنا اليومية".
رغم أن أي شخص قد يعاني من الاحتراق النفسي، إلا أن الكماليين وأصحاب الإنجازات العالية هم الأكثر عرضة له. هؤلاء يضعون توقعات هائلة لأنفسهم، ويخشون التراجع أو الفشل، فيواصلون التقدّم بأي ثمن.
تقول الدكتورة غيل سالتز، أستاذة الطب النفسي في مستشفى نيويورك-بريسبتيريان:
«يبدو الأمر أشبه ببطة تسبح على سطح بركة، تبدو هادئة ورشيقة من الأعلى، لكنها تحت الماء ترفس بأقصى ما تستطيع لتبقى طافية». غالبًا ما يسعى هؤلاء لإبهار الآخرين وإخفاء احتياجاتهم الحقيقية، مما يزيد من الضغط الداخلي ويؤدي إلى استنزاف متواصل.
قد يبدو الشخص ناجحًا من الخارج، لكن داخليًا يعيش حالة إنهاك خفي. من أبرز العلامات:
الشعور بالخدر والإرهاق المستمر.
العيش من أجل العمل فقط.
التضحية بالاحتياجات الشخصية (النوم، العلاقات، الهوايات، الرياضة).
القلق المستمر من الفشل أو ارتكاب الأخطاء.
زيادة النقد الذاتي وانخفاض تقدير الذات.
القلق من فقدان ما تحقق من إنجازات.
المبالغة في الارتباط بالوظيفة أو الإنتاجية.
الإفراط في الالتزامات رغم الإرهاق.
مشكلات جسدية مثل الصداع وآلام الظهر واضطرابات المعدة.
الأرق أو اضطراب النوم.
سرعة الغضب أو التهيّج.
مشاعر سلبية: الحزن، التشاؤم، أو الاكتئاب.
وتشير الدكتورة كورين لو إلى أن الخطر الأكبر يكمن في أن هؤلاء الأشخاص لا يفشلون أمام الآخرين، بل يفشلون في حق أنفسهم من خلال التضحية بمتعتهم، راحتهم، وقدرتهم على التواصل الإنساني.
اجعل وقت الراحة أولوية
الراحة ليست رفاهية بل ضرورة. من المهم أن تُخصَّص في جدولك فترات للترفيه والأنشطة الممتعة، تمامًا كما تحدد موعد اجتماع أو عمل مهم.
إعادة تقييم حجم العمل
راجع مسؤولياتك المهنية والعائلية. قلّل من العمل بعد ساعات الدوام، وخذ إجازة إن أمكن. في حياتك الشخصية، وزّع المهام مع شريكك أو أفراد أسرتك لتخفيف الضغط.
تعلّم التفويض
اسأل نفسك: هل كل هذه المهام يجب أن أقوم بها بنفسي؟ أحيانًا يمكن الاستعانة بمساعدة خارجية (تنظيف، توصيل وجبات، أو حتى خدمات بسيطة) لتوفير وقت وطاقة.
إعادة تعريف العلاقة بالعمل
تذكّر أن وظيفتك وسيلة لتحقيق الاستقرار والرفاهية، وليست غاية حياتك. حاول إعادة توجيه التزامك بما يتماشى مع قيمك وأهدافك الشخصية، لا مع توقعات الآخرين فقط.
الاستعانة بالعلاج النفسي
الكمالية والاحتراق النفسي لا يُعالجان في يوم وليلة. اللجوء إلى معالج نفسي قد يساعدك على فهم الدوافع العميقة وراء سعيك المستمر للكمال، ووضع استراتيجيات عملية لتغيير هذا النمط.
الإنجازات لا يجب أن تأتي على حساب صحتك النفسية والجسدية. الاحتراق النفسي ليس وسام شرف، بل جرس إنذار يخبرك بأن الوقت قد حان لإبطاء الوتيرة، وإعادة التوازن بين العمل والحياة، ومنح نفسك حق الراحة والدعم.